انتهاكات متنامية.. مفوضية حقوق الإنسان تكشف معاناة بلا حدود المهاجرين
انتهاكات متنامية.. مفوضية حقوق الإنسان تكشف معاناة بلا حدود المهاجرين
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تستمر حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا موسعًا عن حالة حقوق الإنسان في سياق الهجرة.
التقرير، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يضع تحت المجهر حجم الانتهاكات المقلقة التي يتعرض لها ملايين المهاجرين حول العالم، كاشفًا عن أوجه القصور في السياسات الوطنية، ومتوقفًا عند الحاجة إلى مقاربة شاملة تعالج الأبعاد الإنسانية والحقوقية لهذه الظاهرة المتصاعدة.
وشدد التقرير على أن الهجرة باتت سمة بارزة للعصر الحديث، حيث يعيش أكثر من 280 مليون شخص خارج أوطانهم، أي ما يعادل 3.6% من سكان العالم. ورغم أن الهجرة قد توفر فرصًا اقتصادية واجتماعية هائلة للمجتمعات، فإنها ما زالت ترتبط بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خصوصًا عندما يفتقر المهاجرون إلى الحماية القانونية أو يواجهون أنظمة حدودية تعتمد على العنف والقمع بدلًا من المعايير الدولية للكرامة الإنسانية.
وخلال استعراضه لحالة حقوق الإنسان في سياق الهجرة، وثق التقرير أنماطًا مقلقة من الانتهاكات. عند نقاط العبور والحدود، ما زالت ممارسات الطرد الجماعي قائمة، في حين تتكرر عمليات الصد العنيف باستخدام القوة المفرطة، وهو ما أدى في بعض الحالات إلى إصابات خطيرة ووفيات مأساوية.
كما سجلت المفوضية استمرار ظاهرة الاحتجاز التعسفي، إذ تلجأ بعض الدول إلى احتجاز المهاجرين بمن فيهم الأطفال والأسر بشكل روتيني، بدلًا من البحث عن بدائل إنسانية، وغالبًا ما يجري ذلك في ظروف غير إنسانية تتسم بالاكتظاظ وسوء المعاملة وغياب الرعاية الطبية الأساسية.
وكشف التقرير عن تعرض المهاجرين لشتى أشكال الاستغلال الاقتصادي، حيث يعاني الكثيرون، ولا سيما العاملون في الوظائف منخفضة المهارة، من تدني الأجور وساعات العمل المرهقة وغياب الحماية النقابية، وصولًا إلى العمل القسري والاتجار بالبشر.
ورصد التقرير جرائم العنف الجنسي والجنساني، مؤكدًا أن النساء والفتيات على وجه الخصوص يتعرضن للتحرش والاغتصاب خلال رحلات الهجرة أو في بلدان المقصد. وغالبًا ما يحول الخوف من الترحيل أو الوصمة الاجتماعية دون تقديم شكاوى، وهو ما يضاعف من خطورة هذه الانتهاكات.
كما أبرز التقرير أن الحق في الحياة نفسه مهدد، إذ يفقد آلاف المهاجرين حياتهم كل عام خلال عبورهم طرقا خطيرة مثل البحر الأبيض المتوسط أو الصحراء الكبرى. ففي كثير من الحالات تغرق القوارب دون تدخل يذكر من سلطات الدول الساحلية، أو يهلك المهاجرون في ظروف قاسية بسبب الإهمال المتعمد. لافتا إلى أن هذه المآسي لا تمثل فقط مأزقًا إنسانيًا، بل تكشف عن تقاعس خطير في احترام الالتزامات القانونية الدولية لحماية الحق في الحياة.
وبينما يواجه المهاجرون هذه الانتهاكات المادية، فإنهم يعانون أيضًا من تصاعد خطاب الكراهية والتمييز. فقد أشار التقرير إلى أن أوضاع المهاجرين غالبًا ما تُستغل في النقاشات السياسية الداخلية، لتغذية خطابات عدائية تحرض على العنصرية وتغذي بيئات مليئة بالخوف والرفض.
ولفت التقرير إلى وجود ثغرات كبيرة في الأطر القانونية الوطنية التي يفترض أن توفر الحماية للمهاجرين. ففي كثير من الحالات، لم تدمج الدول التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في تشريعاتها الوطنية المتعلقة بالهجرة، ما أدى إلى غياب الضمانات الأساسية مثل الحق في طلب اللجوء، ومبدأ عدم الإعادة القسرية، والحق في الوصول إلى العدالة.
وأشار التقرير إلى أن بعض السياسات صُممت خصيصًا لردع المهاجرين عبر فرض قيود مشددة على الدخول والإقامة، وهو ما دفع بالكثيرين إلى طرق غير آمنة وجعلهم صيدًا سهلًا للمهربين وشبكات الجريمة المنظمة.
ووجه التقرير انتقادات حادة للميل المتزايد لدى بعض الدول إلى عسكرة إدارة الحدود، مع توظيف أنظمة المراقبة البيومترية والطائرات المسيرة في ضبط الهجرة، دون ضمانات كافية لحماية الخصوصية والحقوق الأساسية.
وأكدت المفوضية أن هذه المقاربات الأمنية كثيرًا ما تؤدي إلى ممارسات مثل المراقبة غير المشروعة والتوقيفات التعسفية، فضلًا عن تقويض الحق في طلب اللجوء.
وشدد التقرير على أن النساء والأطفال يظلون الفئة الأكثر تضررًا من سياسات الهجرة المقيدة. فالنساء يتعرضن للاستغلال الجنسي والعمل القسري، بينما يواجه الأطفال مخاطر الاحتجاز غير القانوني والحرمان من التعليم والرعاية الصحية. مشيرا إلى أن طفلًا واحدًا من بين كل ثمانية مهاجرين يفتقر إلى وثائق قانونية، ما يجعله أكثر عرضة للاستغلال والاتجار.
وفي جانب آخر، سلّط التقرير الضوء على العلاقة الوثيقة بين التغير المناخي والهجرة القسرية، مؤكدًا أن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات تجبر ملايين الأشخاص على النزوح سنويًا. ورغم أن هؤلاء لا يُصنفون قانونيًا كلاجئين بموجب الاتفاقيات الدولية، فإنهم يواجهون أوضاعًا قاسية ويقعون في فراغ قانوني يفاقم هشاشتهم.
وأشاد التقرير بالدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم القانوني والإنساني للمهاجرين وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها.
غير أن المفوضية حذرت من أن هذه المنظمات نفسها تواجه قيودًا متزايدة، سواء عبر القيود التمويلية أو الإدارية أو حتى عبر الملاحقات القضائية للمدافعين عن حقوق المهاجرين، ما يهدد بعرقلة جهود الحماية والمناصرة.
وأعادت المفوضية التأكيد على أن حماية حقوق المهاجرين ليست خيارًا سياسيًا، إنما التزام قانوني بموجب المعاهدات الدولية. وشدد التقرير على أن للدول واجبًا أساسيًا في ضمان كرامة وسلامة المهاجرين على أراضيها، بصرف النظر عن وضعهم القانوني، وأن أي تقاعس في هذا الشأن يمثل خرقًا مباشرًا للقانون الدولي.
وفي ختام عرضه، تضمن التقرير مجموعة من التوصيات الموجهة إلى الدول الأعضاء والمجتمع الدولي، ركزت على وقف ممارسات الاحتجاز التعسفي خصوصًا بحق الأطفال، وضمان الوصول إلى العدالة والمساعدة القانونية، وحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي عبر آليات إبلاغ فعالة، بالإضافة إلى ضرورة الاعتراف بالهجرة المرتبطة بالمناخ وإيجاد أطر قانونية لحماية النازحين بسبب الكوارث البيئية.
كما شدد التقرير على أهمية تعزيز التعاون الدولي لمعالجة جذور الهجرة القسرية، من فقر ونزاعات مسلحة وتغير مناخي، وضمان إشراك المجتمع المدني بفاعلية في صياغة وتنفيذ السياسات.